يبلغ طول جبل زغوان 9 كلم ويرتفع إلى علوّ 1295 م. ويتميّز هذا الجبل بالصّخور الجيريّة الكلسيّة المتكسّرة. وببساطة هو كناية عن سلسلتين متوازيتين من الجبال يفصلها واد يُسمّى واد القلب.
أمّا الطّبقات الجيولوجيّة المُكتشفة، فتمتدّ من الحقبة الجوراسيّة السّفلى حتّى الحقبة الرّباعيّة الحديثة. تسود الصّخور الكلسيّة سطح الأرض وتُساهم في تساقط الأمطار والثّلوج خاصّة على السّلسلة الجنوبيّة لتطوّر الكارست فيها. وقد سمحت طبيعة هذه الطّبقات التّي تتشرّب المياه بشدّة، بتغذية المياه الجوفيّة بطريقة مباشرة. وقد خضعت هذه الصّخور القابلة للتحلّل بالمياه إلى تطوّر فريد انعكس بمظاهر متعدّدة في الأشكال الكارستيّة على سطح الأرض وفي جوفها. وبالتّالي تكون قد أمّنت الشّروط المناسبة لتكوّن المغارات وتطوّرها في شكل جولدينات (دوليناس) متفاوتة الأحجام في الأماكن العالية على ارتفاع يفوق 900 م. وهي كناية عن منخفضات على شكل أقناع تحتبس بالثّلج وبذوبان هذا الثّلج بالصّرح السّطحي يتسرّب إلى باطن الأرض بسرعة عبر قنوات وتكسّرات مغذيّة للمياه الجوفيّة
سحر جبل زغوان
إنّ الثّراء الطّبيعي الذي يزخر به جبل زغوان يُعدّ أكبر محرّك لمحاولة التّعبير عمّا يمكن أن تقدّمه لنا الطّبيعة من روائع وسحر الصّورة التّي تغريك وتدعوك للعودة إلى هذا المكان كلّما حانت ساعة الرّحيل.
وأنت ترى الجبل صامدًا شامخًا متصلّبًا. ربّما تخافه من الوهلة الأولى، ولكن ما إن تطأه أقدامك حتّى يفتح لك أبوابه وأعماقه، فتنزلق أقدامك إلى متاهة من اللّوحات والمنحوتات التّي لا يمكن أن ترسمه ريشة رسّام ولا ولن تكون قادرة على رسمها.
إنّ أعماق جبل زغوان بمغاورها وكهوفها ودواميسها التّي تجعلك تُبحر دون توقّف بحثا عن نهاية لمتاهة معبّرة وقد تكون أحيانا مُرعبة ولكنّها ممتعة، إنّه سحر جبل زغوان التّي نحتها الماء عبر عصور وعصور حتّى باتت حضنا دافئا يحملك إلى مغامرة لن تنساها لأنّها تخترق ذاكرتك وذوقك، كي تنحت فيه صورة أخرى من صور العظمة والقدرة الإلهيّة على الإبداع والخلق
وأنت تسكن أعماق الأرض أو أعماق الجبل، متجوّلا بين لآلئ من الصّخور البلّوريّة وأخرى كاريستيّة مختلفة الأشكال والألوان، فيعترضك كائنا حيّا يعتبرك غريبا عنه فيخافك وينكمش للوهلة الأولى ولكنّه يستسلم لك ويأنس لك بعد أن يعلم أنّك مُسالمٌ. إنّ مضيّفك هو خفّاش صغير قد يحملك إلى عالمه الكبير، عالم علوم الحياة أو علم الكائنات الحيّة، تجد مُتعة أخرى في البحث والدّراسة. دراسة علم الكائنات التي تعيش في الظّلام. إنّ الخفافيش والعناكب التي تستقطب الكثير من الدّارسين والمهتمّين بهذا العالم فيكون الصّيد وفيرا إن صحّ التّعبير. وتحقيق فرصة التمتّع بمفاتن الطّبيعة والبحث عن المعلومة.
تلك هي السّياحة البيئيّة العلميّة عبر مسارات متنوّعة عادة ما يقصدها السّائح ليقوم بعمليّة تسلّق للجبال بطرق غير معتادة وأساسا على الحبال والغوص أحيانا داخل حوض من الماء في فصل الشّتاء. وفي طريقك إلى هذا الجبل، تأخذك القدم إلى قرية سيدي مدين، فشيئا فشيئا إلى قمم التّلال المرتفعة التي تحيط بالطّريق في أشكال هرميّة. إضافة إلى البحيرة الجبليّة بجانب الطّريق، أين تعيش بعض الطّيور مثل الخطاب المهاجر الذي يتغذّى على صيد الحشرات مُطلقا أصواتا حادّة.
وعلى بعد 1 كلم قبل المدينة، نجد مسلكا غير معبّد يتوغّل في الجبل، وعلى يسار الطّريق يمكنك أن تترك سيّارتك في مفترق الطّريق وتأخذ معك "حافظة ظهر" وتسير في هذا المسلك كما يُمكنك الذّهاب إلى القرية حيث بإمكانك أن تضع سيّارتك تحت حماية أحد متساكني القرية وتعود إلى المفترق وتبدأ عمليّة التسلّق طوال مدّة زمنيّة تصل إلى 2,5 ساعة
جبل زغوان عبر التاريخ
يعود تاريخ الوجود البشري في زغوان إلى عصور قديمة جدّا، وهو ما أثبتته الحفريات التي قام بها العديد من الباحثين والدّارسين منذ الثمانينات من القرن الماضي في جهة زغوان، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، تلك الدّراسات التي تمّت في الهضاب المحيطة بالحوض الأوسط لوادي مليان، حيث تمّ العثور على حجارة منحوتة بطريقة تشبه الفأس قرب سدّ بئر مشارقة، كن الإنسان قد استعملها منذ عصور ما قبل التاريخ. ومن هذا المُنطلق، يمكن القول أنّ الوجود البشري بزغوان بلغ تقريبا مائة ألف سنة، وهي ترجع إلى الحضارة الأشولية (Acheulien)
أمّا في الجبال، فقد تمّ اكتشاف العديد من المغاور من طرف نادي الكهوف والمغاور بزغوان، وتبيّن أنّ تاريخها يعود إلى هذه الفترة تقريبا، وذلك استنادا إلى الرّسوم والمنحوتات التي عُثر عليها منقوشة على الصّخور إلى جانب العديد من الاكتشافات في جهة واد مليان، واد الكنز، منطقة سيدي مسعود
الاستثمار السّياحي بجبل زغوان
يتوفّر جبل زغوان على محيط بيئي ممتاز له تأثير إيجابي على المستوى الصحّي للإنسان، إضافة إلى توفّرها على العديد من السّدود والبحيرات والأحزمة المائيّة، وهي قادرة على ضمان محيط طبيعيّ حيويّ له تأثير إيجابي على الكائنات الحيّة التّي تعيش بجبل زغوان.
ويعتبر جبل زغوان غنيّا بالعديد من الكائنات الحيّة من النّبات والحيوان. وبذلك أصبح جبل زغوان محطّ أنظار العديد من الباحثين والجيولوجيين وبذلك تمّ تحقيق الكثير من النّتائج ومعرفة العديد من الحقائق الجيولوجية والبيولوجيّة إضافة إلى موقعها الإستراتيجي المُحاط بولايات نابل وسوسة والقيروان وتونس الكبرى وهو ما يؤهّلها أن تكون محطّ ترحال السيّاح سواء أكانوا محليين أو أجانب وما له من تأثير إيجابي على الاقتصاد الجهوي والوطني من جهة، وعلى النّاشئة من جهة أثانية إلى جانب الدّور الحضاري المتمثّل في التّواصل البشري والإطّلاع على معتقدات الشّعوب وتقاليدهم وهو ما لمسناه لدى السيّاح الأجانب بانجذابهم وإعجابهم بالتّراث الدّيني والتّاريخي والحضاري لجهة زغوان.
وما لا يمكن التّغافل عنه هو أنّ السّياحة باعتبارها أحد أهمّ الموارد الاقتصاديّة الوطنيّة، فإنّها تلعب دورا هامّا في التّعريف بالثروات الطّبيعيّة والبيئيّة للبلاد. ولذلك، وجب أن تكون ذات طابع استثماري ينزع نحو استشراف إنتاج سياحي له مردود إيجابي قصد المُساهمة في تنمية اقتصاد المجموعة المحليّة وهو ما يطمح إليه سكّان هذه الجهة حاضرا ومُستقبلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق