الدّراسات العلميّة بالمحميّة الوطنيّة بجبل زغوان
دراسة تكوّن الكارست (Karst)
تلعب العوامل الطّبيعيّة، كالماء مثلا، دورا كبيرا في إنشاء عدّة منحوتات صخريّة، حتّى تظهر للعيان وكأنّها نحوتا بشريّة. لكنّ الفارق هنا هو أنّ هذه النّحوت هي في الأصل نحوتا طبيعيّة لا دخل ليد الإنسان فيها.
إنّ فهم خصوصيات الكارست وتكوّنها وطرق مراقبتها ودراستها، وخاصّة منها الكارست التحت أرضيّة، لا تزال إلى اليوم حبيسة أرشيف الباحثين والإستغواريين.
لذا وجب إخراج هذه المعلومات إلى النّور، وذلك حتّى تكون في متناول المستطلعين والزّائرين. ومن جهة أخرى، توفير المعلومات والتّوجيهات إلى هؤلاء الإستغواريين حتّى يكونوا على علم بخصوصيات المناطق المزارة ولنضمن لهذه المناظر التكوّن الطّبيعي داخل المغاور.
لا يزال المجال الكارستي على قدر من الغموض لدى عامّة النّاس في بلادنا لعدّة أسباب، أهمّها أنّها موجودة في أماكن وعرة يصعب الوصول إليها. ثمّ إنّها عادة ما تكون مخفية أو غير معلومة، وعادة ما يكون اكتشافها عن طريق الصّدفة. ومن هنا تظهر أهميّة المختصّين بالبحث في هذه الأماكن ونعني بذلك الإستغواريين (Les spéléologues) وذلك نظرا للمهمّة المُناطة بعهدتهم والمتمثّلة في التّعريف بها والمحافظة على هذه الثّروات الطّبيعيّة على المدى الطّويل، وهي من أهمّ المطالب المقدّمة في الوقت الرّاهن بما تتضمّنه من قائمات ومقاييس حماية هذه الأماكن التّي لا تزال إلى اليوم غير معروفة بالبلاد التّونسيّة.
قائمة الكهوف والمغاور
تتشكّل المغاور وتبرز كنتيجة للانكسارات التي تحدث في الصّخور وما ينتج عنه من انحراف وانكسار صخري.
تقع المغاور الجبليّة بالمحميّة الوطنيّة بجبل زغوان، وتتوزّع توزّعا غير منتظم بعدد يفوق 50 مغارة.
وما لا يمكن التّغافل عنه هو أنّ لهذه المغاور أهميّة كبرى في تنشيط السّياحة البيئيّة بزغوان. ولعلّ أبرز هذه المغاور هي مغارة المينة التّي تتوفّر على فضاء داخلي شاسع يمكّن من استغلالها كمغارة سياحيّة.
جرد في بعض الكهوف
مغارة عدد 1
الإرتفاع: 945 م
العمق: 77 م
الطّول: 200 م
نظريّا، هذه المغارة معروفة منذ زمن بعيد، وقد تمّ الاعتناء بها من قبل CAF
مكوّناتها: طائر الخفّاش، حشرة الخنفسة وبعض الحشرات الأخرى.
مغارة عدد 2
الإرتفاع: 945 م
العمق: 30 م
الطّول: 60 م
مكوّناتها: تتكوّن من تجاويف مهدّمة. ولهذه المغارة خصوصيات تجعل منها مغارة سياحيّة مثاليّة
مغارات عدد 3 و4 و5
تتكوّن من تجاويف بين الصّخور. وهي أقلّ عمق من سابقاتها الأخرى.
مغارة عدد 6
تعرف بمغارة أو هاوية الإستعمار
الإرتفاع: 77 م
العمق: 34 م
الطّول: 110 م
مغارة عدد 7
العمق: 15 م
الطّول: 30 م
يمكن الوصول إلأيها عبر ممرّ خطر بجنب قمّة السّلسلة الجبليّة.
مغارة عدد 8
العمق: 60 م
الطّول: 40 م
تتكوّن من العنكبوت، النّاموس، الثعابين. وعموما يمكن القول أنّ هذه المغاور ذات اتّجاهات عموديّة وأفقيّة نحو الشّقوق بدرجة 200° إلى 290°.
دراسة الخفافيش
تمّ إجراء العديد من الدّراسات والتّحاليل العلميّة بأخذ عيّنات قصد تحليلها في المخابر المختصّة سواء بتونس أو بلغاريا وذلك لمعرفة التّغييرات المورفولوجيّة لتلك الكائنات ومدى قدرتها على التأقلم في بيئة خاصّة بها ومزيد التعرّف على هذا التنوّع البيولوجي.
يتعدّى اكتشاف المغاور نشاط التّرفيه لتحقيق أهداف رياضيّة وعلميّة خاصّة علوم الجيولوجيا والبيولوجيا. وأمام أهميّة هذه الأنشطة، توافد العديد من الباحثين، أقبلوا على الإستغوار ، فكان البحث عن الصّخور الكلسيّة والحيوانات التي تعيش داخل هذه المغاور ، ونذكر منها مثلا العناكب والخفافيش وبعض الحشرات بمختلف أنواعها وأشكالها.
وتمّ إبرام اتّفاقية بين نادي دراسة علوم الكهوف والمغاور بزغوان ومعهد باستور وذلك لمعاينة طيور الخفافيش المتواجدة بالمغاور وإحصاء عدادها. يتمّ أخذ عيّنات من لُعاب ودم الخفافيش لمعرفة إن كانت حاملة لداء الكلب وانفلونزا الطّيور. وتمّ التبيّن أنّها ليست حاملة لهذه الأوبئة، وجمع بعض الخفافيش الميّتة وتسليمها إلى الدّكتور شكري بهلول ممثّل معهد باستور الذي يقوم بإجراء التّحاليل عليها.
وتمّ ترقيم 378 خفّاش لتتبّع حركة هجرتها.
وتلعب الخفافيش دورا كبيرا في التوازن الإيكولوجي، حيث أنّ مغارة أمّ الأبواب بجبل زغوان تحتوي على 2800 خفاشا يتغذّون أساسا على الحشرات مثل الناموس والخنفس والذباب. ويصل معدّل استهلاك 2800 خفّاش إلى 8 أطنان من الحشرت في السّنة أي ما يعادل 2857 غ لكلّ خفّاش في السّنة. وهو حيوان متوسّط الحجم له رأس ذو شكل دائري ملتصق بجسمه مباشرة وله أذنان متباعدتان وهو مثلث الجسم. أمّا كيفيّة تكاثره فإنّها تبدأ في شهر ماي من كلّ سنة وفي درجة حرارة شبه مرتفعة.
تضع أنثى الخفّاش مولودا واحدا في السّنة ويبدأ في الطّيران ما بين 37 و41 يوما. يصبح الخفّاش جاهزا للتناسل والولادة بعد سنتين.
دراسة العناكب
تعتبر العناكب أحد الكائنات الحيّة التي تعيش داخل المغاور. ميزة هذه العناكب هو أنّها عناكب عمياء أي أنّها بمفعول الظّلام الذي تعيش فيه هذه الكائنات، تفقد جلّها البصر عبر الزّمان. فتفقد بذلك أحد حوّاسها الهامّة، لكنّ ذلك لا يجعلها عاجزة عن التغذية، بل هي تعتمد بقيّة الحوّاس الأخرى في الكشف عن الفريسة.
الملتقيات البيئية
سعت جمعية التجوال والبيئة، بالاشتراك مع نادي الكهوف والمغاور بدار الشباب بزغوان، إلى تنظيم ملتقى وطني أُطلق عليه تسمية الملتقى الوطني للكهوف والمغاور بزغوان وذلك تثمينا للمجهود البيئي الوطني من جهة، ومزيد التّعريف بالمخزون البيئي (النباتي والحيواني) بجبل زغوان داخليّا وخارجيّا من جهة ثانية. وقد التأم هذا الملتقى للمرّة الثالثة أيّام 23 إلى 26 مارس 2009 بعد أن كان التأم سنتي 2007 و2008.
وقد شارك فيه عديد الباحثين من تونس وفرنسا واسبانيا وبلجيكا.
وتضمّن هذا الملتقى عديد المداخلات العلميّة والتّحاليل. وإن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على دور هذه النّدوات ذات الصّبغة العلميّة في إثراء التّجارب والبحوث فيما يختصّ به جبل زغوان من ثروات بيئية متنوّعة.
مشروع حماية ومراقبة الموروث الباطني بتونس
إن كان العالم قرية صغيرة، فإنّ الحديث عن التحدّيات البيئية يتجاوز التّأثيرات المحليّة إلى ما هو عامي كوني. وإذا كنّا اليوم نتحدّث عن ثقافة بيئيّة متكاملة، وجب الالتفات إلى الوضع البيئي في العالم والاعتبار من التّغييرات المناخية وتأثيراتها السّلبية على حياة الإنسان. فالأمل لا يزال قائما للحدّ من اختلال التّوازن البيئي العالمي الذي يعود بالدّرجة الأولى إلى النّهضة الصّناعية.
كلّ ذلك له تأثير على الصّخور الكلسيّة وغيرها من المعطيات الجيولوجية. لذلك تمّ إقامة شراكة مع باحثين في هذا المجال سواء مع كليّة العلوم بتونس أو مع باحثين من فرنسا وبلجيكا واسبانيا، اجتمعوا على نفس الهدف، وهو الوقوف في وجه التّغييرات المناخية كالاحتباس الحراري وتأثير ذلك على المغارات ومكوّناتها. ونتيجة لذلك، فإنّ المجهودات المحليّة سواء من قبل جمعيّة التّجوال والبيئة أو الهياكل المختصّة في المجال البيئي، كان لها الأثر الإيجابي والصّدى الطيّب حيث تبيّن أنّ هذه المغارات وغيرها من المكوّنات البيئيّة بالمحمية الوطنيّة بجبل زغوان تمثّل نموذجا طبيعيّا سليمًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق